الأربعاء، 29 أبريل 2009

امام السنهدريم بقلم كاراس المحرقى

أمام السنهدريم وينعقد مجمع السنهدريم بكامل أعضائه ليصدر حكماً نهائياً فى قضية يسوع، وهو يُعتبر هيئة القضاء العليا عند اليهود فى القديم، وكان يتكون من (72) عضواً من رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة، على نفس نظام شيوخ إسرائيل الـ (70) الذين جعلهم موسى معه، لإقرار العدالة أثناء ارتحال شعبه فى البرية، فكان لهم أن يقضوا ويصدروا أحكامهم فى المسائل التى بين اليهود خاصة الأمور الدينية.وقد أشار معلمنا القديس لوقا إلى هذه الجلسة بقوله: " وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ اجْتَمَعَتْ مَشْيَخَةُ الشَّعْبِ: رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَأَصْعَدُوهُ إِلَى مَجْمَعِهِمْ " (لو22 :66-71).وينتظم أعضاء المجمع فى أماكنهم، ويقف المتَّهم البريء كمجرم أمامهم، ويسأل القاضى الشرير: " هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟ "، أمَّا المسيح فأجاب: " أَنْتَ قُلْتَ " (مت63:26،64)، ويقول مرقس البشير: " فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ أَيْضاً: أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ ؟ فَقَالَ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ " (مر61:14،62).ولمَّا قال يسوع: " َسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً فِي سَحَابِ السَّمَاءِ " ، يقول مُعلّمنا متى البشير: " فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَـالَ: مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ " (مت64:26،65)، وقد كان ذلك الفعل علامة خلعه الكهنوت وانتزاعه منه، لكي يبدأ كهنوت السيد المسيح فى الإنتشار، ولهذا قال مار يعقوب السروجيّ:" انشقت الحبرية مع الثوب وتعرى الكاهن من الحبرية.. بيدي موسى أعطى الحبرية لهرون الكاهن وعراها بيد قيافا.. من هرون بدأت وإلى قيافا انتهت.. تعرى قيافا ونُزع من الحبرية ومن تقديم الذبائح.. "وينهض المجلس فى هياج وسخط شديد وهم يصيحون قائلين: " مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شَهَادَةٍ؟ لأَنَّنَا نَحْنُ سَمِعْنَا مِنْ فَمِهِ " (لو71:22)، ويأخذوا المتَّهم لكي يقدموه للوالى، ليحصلوا منه غصباً على تصديق، لكى يُنفّذوا حكمهم عليه بالموت!فما أشقى هؤلاء الرؤساء وما أتعسهم!! فأنَّهم إذ يتيهون فى ظلمتهم يعثرون ويسقطون، ولكن هذه هى سمة الأشرار: يعقدون مجالسهم ويحكمون على الرجل الذي لم يولد بعد!! ويأمرون بموته قبل أن يرتكب الجريمة!! دون أن يدروا أنَّ نهار الأبرار يطول.إن يسوع الذى اتهموه بأنَّه يُخالف الشريعة، وينقض الناموس، ويكسر السبت، هو نور العالم الذى قد جاء لكي يوقد ناراً يوم السبت لا لكي ينقضه بل لُينيره!! ويحرق بمشاعله كل القش اليابس!! أليست تعاليمهم قد جفت، ووصاياهم أصابها العطب؟!المسيح أمام بيلاطسويسير الموكب الصاخب إلى أن يصل إلى دار الولاية، وهناك يمسكون بأسيرهم ويدفعونه بوقاحة إلى الداخل " وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ " (يو28:18).ويجلس بيلاطس على كرسيه العاجيّ المطعم بالذهب ويقف الجنود وكل من نبذهم الجنس البشرى محدّقين بالشاب المكتوف، الواقف بينهم برأس مرفوع وقوف الجبل الشامخ بين المنخفضات وفتح بيلاطس فمه، وظهرت حنجرته المسمومة مثلما تظهر حنجرة الوحش الكاسر عندما يفتح فكيه متثائباً! فحوّل الحاضرون أعينهم واشرأبت أعناقهم، كأنَّهم يريدون أن يسبقوا الشريعة بأعينهم، ليروا فريسة الموت خارجة من أعماق ذلك الفم أو قل ذلك القبر.ويستفسر بيلاطس عن الأسباب التي جعلت اليهود أن يدفعوا أسيرهم داخل دار الولاية فيقول: " أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هَذَا الإِنْسَانِ؟ "، فأجاب اليهود على سؤال الوالى فى عجرفة: " لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ ! "، ولمَّا طلب منهم أن يأخذوه ويحكموا عليه حسب ناموسهم رفضوا قائلين: " لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداًً " (يو18: 29ـ31).ويعرض الرؤساء شكاياتهم ضد يسوع بشدة، محاولين أن يؤثّروا على الوالي الرومانيّ، ليدفعوه إلى تأييد الحكم الذى أصدروه على يسوع بالموت، أمَّا التهمة التي وجّهت إليه فهى تهمه الخيانة للدولة الرومانية والحاكم: " إِنَّنَا وَجَدْنَا هَذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ قَائِلاً: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ، مَلِكٌ " (لو2:23).وعلى الرغم من أن بيلاطس البنطيّ لم يقتنع بهذه الحيلة الماكرة، لأنَّه كان أشد خبثاً ومكراً منهم، إلاَّ أنَّه لم يجد سبيلاً أمام ثورة اليهود، سوى أن يُرسل يسوع إلى هيرودس والي الجليل بحجة أن يسوع جليلى (لو7:23)، فلو كان بيلاطس يعرف بلده الحقيقيّ لأرسله إلى سما السموات حيث عرش الله القدوس.المسيح أمام هيرودسويذهب يسوع إلى هيرودس، الذى قَبِِله من بيلاطس بفرح عظيم، لأنَّه كان مشتاقاً أن يراه لسبب معجزاته الكثيرة التى سمع عنها، ولهذا اشتهى أن يرى منه آيَّة (لو8:23)، أمَّا رب المجد فلم يشأ أن يُظهر مجده أمام هيرودس، فصمت ولم يصنع أمامه آيَّه واحدة، لكى لا يُطلقه فيتعطّل بذلك الفداء (لو9:23).لقد ظل يسوع صامتاً كالصخرة، أو كالأرض التى لا تريد أن تتكلم، لكى لا تقذف بركانها فى وجه الأشرار! ولو فهم الناس ما تقوله السكينة لكانوا أقرب إلي الملائكة من وحوش الغابة!فما أعجبك معلماً وسيداً، عندما تتكلم يكون كلامك جنّة غنّاء، وفى صوتك يجتمع ضحك الرعود ودموع الأمطار ورقص الرياح والأشجار، وعندما تصمت يكون صمتك كالصحراء! لكننا يجب أن نعرف أن يسوع كالزهرة تضم أوراقها أمام الظلمة، ولا تعطى أنفاسها لخيالات الليل!كانت نتيجة صمت يسوع أمام هيرودس، أنَّه احتقره مع عسكره واستهزأوا به، وألبسوه لُباساً لامعاً، ورده إلى بيلاطس مرة ثانية، فصارت المحبة بين الحكام لأنَّهم كانوا متخاصمين (لو11:11،12)، وقد كان هذا التصرف غريباً، على رجل اشتهر بالقسوة والعنف وسفك الدماء، خاصة وأن آثار دماء يوحنا المعمدان كانت لا تزال عالقة بيده، لكن الله سمح بهذا لكي يؤكد أنَّه رسول المحبة، فأينما يمضى يسوع يصنع السلام بين المتخاصمين.
فهل رأيتم مذنباً يزرع السلامبين الحكام غير ربنا يسوع ‍‍‍‍!أمام بيلاطس مرة ثانيةمرّة ثانية يقف يسوع أمام بيلاطس لأنَّ هيرودس لم يحسم الأمر، فكان لابد أن يتّخذ هذه المرّة حُكماً حاسماً فى قضية يسوع.ويجلس بيلاطس للمحاكمة، والجالس عن يمين الآب يقف ليُحاكم أمام الشعب، الذى أعتقه من عبودية فرعون وأخرجه من أرض مصر، لقد تناسوا معجزاته معهم، وها هم يصرخون ضده " أُصلبه، أُصلبه!! "، هل لأنَّه أقام موتاهم؟! أم لأنَّه فتح أعين العميان وجعل العرج يمشون، والخرس يتكلّمون، والصم يسمعون..؟! هذا المسلك البشع الذي يُعلن عن عدم عرفانهم بالجميل! سبق أن تنبأ عليه إشعياء النبيّ قائلاً: " عَلَى مَنْ تَفْغَرُونَ الْفَمَ وَتَدْلَعُونَ اللِّسَانَ؟ " (إش4:57).لاشك أن بيلاطس كان مقتنعاً ببرائته، لكنه أراد أن يُحافظ على مركزه ويظل حاكماً، وهذا يتطلّب منه أن يُرضى اليهود على حساب المسيح، فليس أثقل على إنسان من حمل التاج!! وكم تصارع البشر من أجـل اعتـلاء العـروش!! فعاشوا حيـاتهم قانعين بتلك اللذة الوحشية- لذة القتل وسفك الدماء- حتى يرى الناس جباههم اللامعة، يتلألأ فوقها تاج المُلك المُرصّع بالذهب والجواهر والأحجار الكريمة! حاول مرَّة أُخرى أن يتهرب من المسئولية، ويزيح عن كاهله عبء الحكم على يسوع، فطلب من اليهود أن يأخذوه ويحكموا عليه حسب ناموسهم (يو31:18)، فقد رأى الوداعة تتكئ كطفل فى عينيه، والنبل يشيع على وجهه، والعفاف يسيل على شفتيه.. فتحرَّكت فيه عاطفة الشرف الإنسانيّ والعدل الرومانيّ فأجابهم: " وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟ " (مت23:27)، " لَمْ أَجِدْ فِي هَذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ " (لو23: 14)، ففى الوقت الذى كان يسألهم بيلاطس عن شروره، كانوا يذكرون له الحسنات دون أن يدروا! كل من يأتى ليشتكى عليه يذكر عجائبه، ومع هذا صرخوا أُصلبه، فلماذا الصلب إذن؟! كان يمكن لبيلاطس أن يحكم ببرائته ويطلقه فيخلصه من أيدى اليهود الحاسدين، وبهذا يكون قد نفّذ أوامر شريعتهم التى تقول " بِالْعَدْلِ تَحْكُمُ لِقَرِيبِكَ " (لا15:19)، لكنه ارتخى أمام أصواتهم المضطربة، التى أثارتها شياطين جَهَنّميّة! فخضع الملك ضاغراً، وتناسى العدل وضحى بالحق والضمير والشهامة قربان رخيصاً على مذبح قيصر! أسلمه لمَّا رأى أن هناك مساساً بنفوذه " إِنْ أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرََ" (يو12:19) وقد نسى أن العواصف تفنى الزهور ولكنها لا تميت بذورها!أخيراً بعد أن ظل يُماطل جلده وأسلمه ليُصلب، ولكي يفلت من الملامة أخذ ماء وغسل يديه قدام الجميع وقال: " إنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هَذَا الْبَارِّ" (مت24:27).
وقد كان الأولى أن يغسل جبنه!

برىء يحاكم امام خطاه


برئ يحاكم أمام خطاة

بقلم الراهب كاراس المُحرَّقيّ
يسوع موثقاًً
كأفاعى البحر التى تقبض على الفريسة بمقابض كثيرة، وتمتص دماءها بأفواه عديدة.. قبضوا على يسوع وأوثقوه (يو18: 12) وهو الذى جاء ينادى للمأسورين بالإطلاق (لو4 : 18) ويحل المربوطين بقيود الخطية ورباطات الشياطين!ذاك الذى أعطى للإنسان سلطاناً أن يربط ما على الأرض ويحله، وكسّر مصاريع النحاس وقطع حديد الهاوية وفك أسرى الجحيم ربطوه بحبال! الذى فك لعازر من أربطة الموت ( يو11: 44) وحرر بطرس من قيود السجن الحديدية (أع 12 :7) ها هو الآن مربوط، مقيد من أناس خطاة قيدتهم أغلال الكراهية والحقد!لو أراد لفك هذه الربُط أسرع مما فعل شمشون قديماً (قض15: 14)، لأنه يملك القوة وكانت الملائكة على أتم الاستعداد أن تقوم بهذا العمل، لكنهم امتنعوا لأن الرب يريد أن يوثق ويتألم، ولسنا نعرف لماذا أوثقوه وهو الذى قدم نفسه طواعية! ولكن لابد أن يتم قول الكتاب " أوثقوا الذبيحة بربُط إلى قرون المذبح " (مز118: 27).وبعد أن أوثقوه قادوه إلى مجالس القضاء ليُحاكم وهو " المعّين من الله دياناً للأحياء والأموات " (أع 10 : 42) أما هو فكمسكين كان يمضى معهم من هنا إلى هناك دون أن يتذمر أو يفتح فاه، فانطبق عليه قول الكتاب " كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه " (إش53 : 7).عن هذه المحاكمات تنبأ إشعياء قائلاً : " الرب يدخل فى المحاكمة مع شيوخ شعبه ورؤسائهم " (إش3: 14)، وبحسب ما كتبه البشيرون وقف يسوع أمام القضاة والحكام، ليُحاكم ست مرات، ثلاثاً أمام قضاة اليهود وهم (حنّان وقيافا ومجمع اليهود المعروف بالسنهدريم) واثنين أمام بيلاطس البنطى، وواحدة أمام هيرودس الملك .. قال مار يعقوب السروجى:" أدخلوا الابن إلى بيت الحكم كمشجوب.. صعد التراب الجبلة المنفوخة وجلس على الكرسى.. ودخل الخالق ووقف ليُسأل.. أمسك الطين قضيب الحكم على جابله.. وجلس القش ليسأل اللهيب.. انحنى ابن الله قدام الحاكم وشتمه وسلبه كهنة أبيه.. الناس المعيبون بالجراحات الكثيرة.. أدخلوا الطبيب الذى افتقدهم للحكم"!المسيح أمام حنّان وقيافاجرت أول محاكمات يسوع (يو18: 12،13) أمام قاضٍٍ من أشر الناس وأخبثهم، يحمل على جبهته سمة اللعنة، يتقلد سيف الرهبة، ويتشح بثوب الرياء، ينظر بعينيه إلى أعماق الموت، ويصغى بأُذنيه إلى أنّة الفناء، إنه حنّان حما قيافا، الذى لم يغير مركزه الدينى من أخلاقه، فصار كالأفعى التى لايمكن أن تصير حمامة حتى لو حُبست فى القفص، شأنها شأن الشوك لا يصير عنباً ولو غُرس فى كرم!وقد كانت هذه المحاكمة فحصاً استعدادياً، بعدها أرسل حنّان يسوع مقيداً إلى قيافا رئيس الكهنة (يو18: 13) لأنه لم يكن رئيس الكهنة الفعلى، لأن الرومان كانوا قد عزلوه، إلا أنه كان لا يزال يحمل لقب رئيس الكهنة (لو2:3) (أع4 : 6). " وَكَانَ قَيَافَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى الْيَهُودِ أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ " (يو18 : 14) .ويقف يسوع فى دار رئيس الكهنة أمام مجمع غير منظم، ولم يكتمل أعضاؤه، لعلهم يجدون تهمة زور يشهدون بها عليه، ويسأل رئيس الكهنة لكي يصطاده بكلمة، ويسوع يُجيب عن أسئلته بخصوص تعليمه، فهو لا يهمه هنا أن يدافع عن نفسه، حتى وإن كتب حياته لا بالحبر بل بدم قلبه! ولكنه يرى من واجبه أن يبرر تعاليمه التى تعاليم الله.وبينما المسيح يتكلم إذا بواحد من عبيد رئيس الكهنة، يقوم ويلطم يسوع على وجهه قائلاً: " أَهَكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ ؟ "، فلم يُخفَ على العبد أن سيده أُفحم من جواب المتهم البسيط، وكانت هذه اللطمة هى الوسيلة الوحيدة لتخليصه من الورطة المخزية (يو19:18ـ24) وها نحن نتساءل: ماذا فعل يسوع ليُلطم من عبد حقير؟! ومن هو حنّان الذى يحاكم الإله القدير؟! إنه يصح أن يكون لصاً، دجالاً، لا قيمة له إلا فى عيون المدنّسين والفاسدين، ولكنه لا يصلح بأية حال أن يكون واحداً من رجال الدين..لقد نظر إلى يسوع نظرة النسر الجائع، إلى عصفور مكسور الجناحين، سخر منه ومن شرائعه، وهزأ من طهارته وعفته، وضحك من وقاره ومن هيبته، وتمادى فى شروره ليقتله.. فها هو الذى يتلعثم لسانه ينطق بالحكم على سيده، وبلغة السفهاء والأدنياء يطلب أن يقتله!أليس حنّان هو حارس الهيكل؟ أليس من واجبه أن يطبّق الشريعة؟ وماذا تقول الشريعة؟ " العَدْل العَدْل تَتَّبِعُ لِكَيْ تَحْيَا " (تث16: 20) فأين العدل هنا؟! لماذا نظر إلى يسوع على أنه يهذى ويجدف؟! لماذا عامله كما لو كان ابناً عاصياً للولاية، يجـب أن يوضع فى مقدمة الجيش، لتذهب به سهام العدو وتحررهم من كبريائه؟! لماذا صمّ أُذنيه عندما سمع صوت يسوع يدعوهم: كذّابين ومرائين وذئاب وحيات أولاد أفاعى..؟!وقد كانت سقطة عظيمة، تلك التى سقطها بطرس أمام جارية، فى دار رئيس الكهنة أثناء محاكمة يسوع (لو22: 54ـ62) ولولا أنه تاب وبكى بكاءً مراً لصارت نهايته كيهوذا فى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت، لكنه بصوت البكاء أسكت رعد الجحود، أفاض الدموع من عينيه ليسبح فيها ويتطهر، غسل نفسه بالمياه النقية التى للتوبة إلى أن ابيضت أكثر من الثلج.هو الذى اعترف بلاهوت المسيح " أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ" (مت16:16) وهو الذى جحده، وهو أيضاً الذى صار رئيساً للتائبين.لقد صار مِرآة ينظر فيها الجاحدين الذين أنكروا المسيح فيتوبوا، فالذى نزل بالجحود إلى عمق الخطية، استطاع بالتوبة أن يصعد إلى درجة الكاملين، فعلّمنا أن خنق أشواك الخطية بالدموع، أفضل وسيلة لكى لا تأتى إلى الفكر وتقتله.لقد انسابت دموع بطرس، كما لو كانت خيوطاً فضية، طرحتها السماء من الأعالى فأخذتها الطبيعة ونمقت بها أوديتها، أو لآلئ نفيسة من تاج ملوكى، أخذتها رياح الصباح ورصّعت بها حقولها!قال أحد الآباء:
" نظر بطرس نفسه صدأت بالإثم،فألقى المياه النظيفة وغسلها بحكمة،غسل النفس بالمياه النقية التى للتوبة،إلى أن بيضت لتكون لباساً للملكوت،أفاض الدموع من عينيه ليسبح فيها ويتطهر".

الجمعة، 10 أبريل 2009

حياة المسيح

حياة السيد المسيح

1- حياة السيد المسيح بألحان موسيقية شرقية:

2- دراسة في حياة السيد المسيح حسب الأناجيل:

هل المسيح هو الله؟

هل المسيح هو الله؟

تعجز الألسنة عن التعبير والأخيلة عن التصوير والعقول عن الفهم والتنظير في ماهية ووجود الله وقدرته. لأن الإنسان عندما يتوصل إلى معرفة أسرار الله السماوية العظيمة سيصبح هو الله نفسه، صورة وروحاً ومضموناً، وهذا مستحيل لأن عقولنا محدودة والله غير محدود... ويخبرنا تاريخ الحضارة أن الملك كريسبس اليوناني كان قد طلب من أحد الفلاسفة الكبار أن يحدد له من هو الله. ووقع الفيلسوف الكبير في قلق و حيرة، ثم طلب من الملك أن يمهله عدة أيام لعله يقف على شاطئ الحقيقة والمعرفة، لكنه خاب وأخفق في تفكيره وتأمله، وعاد إلى الملك ليقول له: المعذرة يا سيدي...! لأنني كلما فكرت وتعمقت في بحثي عن سر وجود الله وجدت نفسي عاجزاً وقاصراً.

الحقيقة الأولى: بعض الأسباب التي تبرهن ضعف الإنسان وعجزه:

1- كيف يقدر المحدود أن يدرك الغير محدود؟ (وعاء ماء يسع 5 لتر مثلاً هو محدود ضمن الـ 5 لتر، ولكن نهراً جارياً من المياه هو غير محدود بالنسبة لوعاء الـ 5 لتر).

هل من المنطقي أن يقول الوعاء أنا لا أؤمن بوجود النهر لأنني لا أستوعبه،مع أن معنى وجود الوعاء يعود إلى النهر الذي يملأه بالمياه،ولولا وجود النهر والمياه لما كان هناك أي حاجة لوجود وعاء للمياه، احكم بنفسك.

2- كيف يقدر المخلوق أن يفهم قدرة خالقه الأعظم؟ وكيف يستطيع الخاطئ الساقط أن يعرف سموه القدوس....؟

الحقيقة الثانية أن إيماني بالله مبني على أساس كلمته المقدسة الصادقة:

إن كلمة الله هي الله نفسه، وإيماني راسخ وطيد لأنه يعتمد على صخرة سماوية جبارة متينة.

وإليك بعض الأسباب التي تؤكد إيماني و تدعم يقيني به وبكلمته السامية الجليلة.

فالعهد القديم موجود منذ أكثر من ستة آلاف سنة، والعهد الجديد منذ حوالي ألفي سنة لم يتغيرا، وقد تُرجما إلى معظم لغات العالم في جميع الأقطار والأزمنة والعصور.

فلقد قال سبحانه وتعالى "السماء والأرض تزولان و لكن كلامي لا يزول". (الإنجيل بحسب متى 24: 35) كما قال أيضاً: "إن كان أحد يزيد على هذا الكتاب يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب، وإن كان أحد يحذف من أقوال هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة". (رؤيا يوحنا 22: 18و19).

ومع تصديقي لكلمة الله الأزلية الأبدية، أؤمن بالبراهين المنطقية التالية على أن المسيح هو كلمة الله المترجم لحقيقته والكاشف عن صورته، ومن دونه لا نستطع أن نرى الله.

(حاول أن تنظر إلى الشمس بالعين المجردة فلن تستطع، ضع نظارات خاصة لمراقبة الشمس فتراها جيداً، لأن عينيك محدودتان في قدرتهما على الرؤية وهما بحاجة إلى وسيط بينهما وبين الشمس وإلا احترقتا).

ويساعدنا التشبيه السابق في فهم العلاقة مع الله والمسيح، فالمسيح هو الوسيط الذي من خلاله نستطيع أن نرى ونعرف الله.

أولاً:

إن البرهان الأول على أن المسيح هو كلمة الله ومن خلاله يمكن أن أرى الله، لأنه "ولد من روح الله"(الإنجيل بحسب متى 1: 20). وكلمة "ولد" بمعنى انبثق أو خرج.

وروح الله هو الله ذاته. لقد كانت ولادة السيد المسيح عجيبة خارقة وبترتيب أزلي قديم من الله. ولقد تمت كل النبوات في أسفار العهد القديم وتوثقت حَرْفياً في العهد الجديد عن ولادة المسيح كما توضح الأدلة التالية:

- سفر ميخا 2: 5 (735 سنة قبل الميلاد) عن مكان ولادة المسيح والتي تمت حَرْفياً في (الإنجيل حسب متى2: 1و4، ولوقا 2: 4 و 15).

- النبي إشعياء (7: 14 قبل الميلاد) تنبأ عن ولادته من فتاة عذراء والتي تمت حَرْفياً (الإنجيل حسب لوقا 1: 34- 45).

- النبي دانيال 9: 25 (قبل الميلاد) تنبأ عن وقت ولادته وقد تمت حَرْفياً في (لوقا 2: 1 و 2).

- النبي إشعياء 9: 6 (قبل الميلاد) تنبأ عن اسم المسيح المخلص. وورد هذا أيضاً في (متى 1: 20 و 21) - والنبي داود في المزمور الثاني: 7 (قبل الميلاد)، تحدث عن اسمه ابن الله. وقد تمت هذه النبوة القديمة في (متى 3: 17) و (لوقا1: 35). وقد ورد في سفر النبي إشعياء (7: 14) اسم المولود من عذراء الذي يدعى عمانوئيل وتفسيره "الله معنا" وتمت هذه الآية في (متى 1: 23).

- النبي ميخا 5: 2 (قبل الميلاد)، تحدث عن وجوده الأزلي. وقد تم حَرْفياً في (يوحنا 1: 1 و 2).

والخلاصة، هي أن ولادة السيد المسيح العجيبة قد حدثت بإرادة إلهية وبترتيب أزلي سابق من قبل الله تعالى. وبما أن المسيح مولود من روح الله القدوس فهو إذا الله نفسه لأن روح الله لا ينقسم ولا يتوزع أجزاء عديدة.

ثانياً:

البرهان الثاني، لأنه الفريد الوحيد الذي دُعي كلمة الله وإن كلمة الله هي ذات الله. إن معنى "كلمة الله" تعني باللغة اليونانية (لوغوس) وكانت تطلق فقط على صفات الله ولاهوته وإعلانه عن نفسه. وهنا يجدر بنا أن نستشهد بآيات من الإنجيل المقدس تؤكد صحة برهاني وإيماني: قال في (الإنجيل حسب يوحنا 1: 1 و 14): "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله …، الكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمةً وحقاً". وفي (سفر الرؤيا 19: 13): "ويدعى اسمه كلمة الله".

لاحظْ جيداً أن ولادة المسيح لم تكن إلا بدء حياته البشرية (أي طبيعة الإنسان) وأما طبيعته الإلهية فهي قديمة منذ الأزل وقبل تكوين الخليقة. وإن روح الله القدوس مرََّ مروراً في بطن العذراء مريم فأخذ يسوع جسد الإنسان مثلنا ولكنه بلا دنس وبلا خطية "وحل بيننا" وذلك لكي يقدم الفداء عن خطايا الجنس البشري. وقد قال المسيح نفسه مؤكداً وجوده قبل الخليقة كلها (الإنجيل بحسب يوحنا 8: 58) "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن". وكما قال أيضاً عن نفسه في (سفر الرؤيا 1: 8) "أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء". فالمسيح إذاً كلمة الله المتجسد بشراً، وقد حمل في شخصه طبيعتين مترابطتين (طبيعة اللاهوت الأزلية، وطبيعة الناسوت) أي الإنسانية المقدسة.

ثالثاً:

البرهان الثالث، لأن حياته العظيمة المثالية تفوق حياة البشر.وفيما يلي الأدلة على ذلك:

1- حياته العجيبة: فلقد ولد المسيح بأعجوبة ومات بأعجوبة وقام من بين الأموات بأعجوبة وصعد بأعجوبة أيضاً إلى السماء كما ورد في العهد الجديد.

2- أعماله العجيبة: فمن يخالف النواميس الطبيعة إلا الذي خلقها؟ سار يسوع على وجه الماء كما ورد ذلك في (الإنجيل حسب متى 14: 25). وقد أسكت البحر الصاخب الغاضب كما ذكر في (متى 8: 23-27). وأقام الموتى من القبور كما في (الإنجيل حسب يوحنا 11: 38-47). وسيطرته وقوته على الأرواح الشريرة وعلى الشيطان الرجيم كما ورد في (الإنجيل حسب مرقس 1: 26) و (متى 4: 1-11).

3- أقواله العجيبة: وقد عبر عن أقوال السيد المسيح أحد الكتاب قائلاً: "إنها فريدة في سموها، وعجيبة في قوتها، جريئة في سلطانها، عميقة في تأثيرها، فائقة في محبتها". وهذه نماذج من كلماته الرائعة السامية: "الكلام الذي أكلمكم به هو حياة". وموعظته العميقة الدقيقة على الجبل كما وردت في (الإنجيل بحسب متى، الإصحاح الخامس كله) تلك الموعظة التي غيرت مفاهيم الحياة وقلبت المقاييس الفلسفية البشرية. كقوله: "أحبوا أعداءكم أحسنوا إلى مبغضيكم..." وهناك أمثاله الفريدة عن المحبة والعطاء والإيمان في قصة السامري الصالح، والابن الضال، ومثل الزارع والحنطة... الخ.

4- شهادة الملايين عبر التاريخ منذ القديم وحتى عصرنا الحاضر، وأولئك الذين تغيرت حياتهم بعد أن سمعوا صوت المسيح السماوي وآمنوا به مخلصاً فادياً وراعياً أميناً صالحاً.

والخلاصة: إن حياته المجيدة المباركة في ولادته وسلوكه وموته وقيامته وصعوده، هذه كلها لا تنطبق على حياة إنسان آدمي عادي، لأنها من طبيعة الله وحده. فالمسيح إذا هو صورة الله في هيئة إنسان.

رابعاً:

البرهان الرابع على أن المسيح هو الله لأنه بعيد ومنـزه عن الخطأ البشري. إن السيد المسيح هو الشخص الفريد بين البشر من حيث قداسته وتواضعه وكمال سيرته وأخلاقه ومحبته... ومن هو المنـزه عن الخطأ غير الله سبحانه وتعالى؟.. وإليك ما قاله السيد المسيح عن نفسه متحدياً الناس في (الإنجيل بحسب يوحنا 8: 46) "من منكم يبكتني على خطية؟" وفي آية أخرى في الإصحاح الثامن نفسه (8: 23) يقول: "أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم". ثم ما قاله الأعداء أنفسهم عنه علناً كما ورد عن الحاكم الروماني بيلاطس حينما قال أثناء محاكمة المسيح "أنا لست أجد فيه علة واحدة" (الإنجيل بحسب يوحنا 18: 38) وكذلك ما قاله يهوذا الإسخريوطي أحد تلاميذ المسيح بعد أن خدعه وباعه بثلاثين قطعة من الفضة وأسلمه لليهود حتى قتلوه وقد ورد هذا في (الإنجيل بحسب متى 27: 4) "قد أخطأت إذ سلمت دما بريئاً …" وما قاله تلاميذه المرسلون ومنهم بطرس في رسالته الأولى (2: 22) "الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر". وما قاله تلميذه يوحنا في رسالته الأولى 2: 1و29 "يسوع المسيح البار". وكذلك قال الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين (7: 26) "قدوس بلا شر ولا دنس، وصار أعلى من السموات". وما ذكر في (الإنجيل بحسب لوقا 4: 41) عن الشيطان – مصدر الشر – "وكانت الشياطين أيضاً تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول: أنت المسيح ابن الله". وقد قال الروح النجس الشرير الموجود في إنسان "أنا أعرف من أنت قدوس الله" (الإنجيل بحسب مرقس 1: 24).

والخلاصة: بما أن جميع البشر خطاة، والرسل والأنبياء جميعا أخطأوا وإن الله وحده هو المعصوم عن السقوط والخطيئة والمنـزه عن الإثم، والمسيح هو الذي لم يخطئ أبداً، لذا فإننا نقول: أن المسيح هو ذات الله نفسه في شكل إنسان.

خامساً:

البرهان الخامس على أن المسيح هو مِن ذات الله لأنه هو الوحيد الذي كان يغفر الخطايا والذنوب للخطاة. ترى من يغفر الخطايا إلا الله؟ لماذا إلا الله؟

إليك بعض الأسباب:

1- لأن المغفرة تأتي من طبيعة قداسة الله المطلقة كما في (الإنجيل بحسب يوحنا 3: 16) وفي (رسالة يوحنا الرسول الأولى 2: 12).

2- لأن المغفرة تأتي من طبيعة محبة الله المطلقة. كما ورد في العهد الجديد "الله محبة".

3- لأن المحبة تأتي من نعمة الله المجانية الغنية: وهذا ما قاله بولس في رسالته إلى الكنيسة.

4-لأن المغفرة تأتي من قوة الله وسلطانه، كما ذكر ذلك لوقا في بشارته: "فلما رأى إيمانهم قال يسوع: أيها الإنسان مغفورة لك خطاياك".

5-لأن المغفرة تأتي من الله لمصالحة الإنسان مع الله القدوس نفسه. كما ذكر الرسول بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس 5: 19 "إن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم".

6- شهادة المسيح عن نفسه. كما ورد في الحوار الجاري بين المسيح ورجال الدين اليهود الفريسيين في الإنجيل بحسب لوقا (5: 20-26): "فلما رأى إيمانهم قال أيها الإنسان مغفورة لك خطاياك. فابتدأ الفريسيون والكتبة يفكرون قائلين: من هذا الذي يتكلم بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده؟ فشعر يسوع بأفكارهم وأجاب قائلاً: لكي تعلموا أن لابن الإنسان (أي المسيح ذاته) سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا".

7- شهادة العديد من الرسل ومنها شهادة التلميذ الرسول يوحنا في رسالته الأولى (1: 9) حيث يقول: "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل (أي المسيح) حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم".

والخلاصة: بما أن الله وحده الذي له القدرة والسلطان أن يغفر الخطايا، والمسيح كان له هذا السلطان، إذاً فلا شك أن المسيح هو ذات الله في صورة إنسان.

سادساً:

البرهان السادس لأنه الشخص الوحيد الذي دعي بألقاب إلهية مجيدة. هذه الألقاب قد انطلقت من أفواه جميع طبقات البشر واعترافاتهم. وهي تعطينا دليلاً ساطعاً واضحاً عما كان وجرى في تلك العصور السالفة وإليك شيئاً منها:

1- شهادة النبي إشعياء في العهد القديم (قبل 750 سنة) حيث يقول "لأنه يولد لنا ولد و نعطى ابنا وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أبا أبدياً رئيس السلام".

2- شهادة المسيح عن نفسه وذلك بأنه:

- كلي القدرة والسلطان، كما ورد في إنجيل متى 28: 18 "فتقدم يسوع وكلمهم قائلاًً: دفع لي كل سلطان في السماء وعلى الأرض".

- كلي المعرفة، فلقد عرف المسيح تلاميذه قبل أن اختارهم كما جاء في الإنجيل بحسب يوحنا 1: 48.

وفي الإصحاح الحادي عشر عرف أن لعازر شقيق مريم قد مات. وقد تنبأ المسيح وعرف ماذا سيحدث له وما سيلاقيه من اضطهاد وعذاب بين الناس ومن ابتعاد تلاميذه عنه، كما تحدث عن موته وقيامته وصعوده إلى السماء ومن ثم عن مجيئه الثاني إلى العالم.

لقد كان عالِماً دقيقاً في تحليل النفوس البشرية و فهمها ودراستها ونقدها. وقد قال الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية 8: 29و30 "لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم والذين سبق فعينهم فهؤلاء بررهم ومجدهم أيضاً". واعترف بولس مرة أخرى بعلم السيد المسيح وعمق معرفته فقال في رسالته إلى كولوسي 2: 3 "المدخر لنا فيه جميع كنوز المعرفة والعلم".

- كلي الوجود، فقد قال المسيح عن نفسه في (الإنجيل بحسب متى 18: 20) "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم". ويذكر الإنجيل قصة نزول المسيح من السماء على تلاميذه الخائفين وهم قلقون في العلية حيث كانت الأبواب مغلقة، جاء يسوع ووقف في الوسط.

- أزلي الوجود وقد قال المسيح عن نفسه في الإنجيل بحسب يوحنا: 8: 58 "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن". وفي الإصحاح الأول، الآية الأولى يقول:"في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله". كما قال بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين (9: 14) "المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب".

- شهادة التلميذ توما المتشكك أمام التلاميذ كما وردت في الإنجيل بحسب يوحنا (20: 28) "ربي وإلهي".

وهناك أكثر من مائة لقب أعطيت فقط للسيد المسيح كما وردت في العهدين القديم و الجديد مثل: "الله معنا -المخلص - الرب- كلمة الحياة - الفادي - البار - الخالق الأزلي - الكائن والذي كان والذي يكون - الديان للأحياء والأموات - البداية والنهاية – الله" - وغيرها.

الخلاصة: بما أن هذه الألقاب العظيمة الفائقة لا تعطى إلا للرب وحده فقط وقد أعطيت للسيد المسيح فيجب أن نسلم بديهيا أن المسيح هو الله نفسه في هيئة إنسان.

سابعاً:

بأن المسيح هو ذات الله لأنه كان يسجد له ولم يرفض هو هذا السجود من الناس له. وإليك ما يذكره الكتاب المقدس عن سر السجود للمسيح منذ ولادته وحتى صعوده:

1- سجد له حكماء المجوس القآدمين من الشرق في مكان ولادته المتواضع. كما ورد ذلك في الإنجيل بحسب متى (2: 11) حيث يقول: "فخروا وسجدوا له ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهباً ولباناً ومراً".

2- سجد له المرضى والبرص كما جاء في (الإنجيل حسب متى 8: 2) "وإذا أبرص قد جاء وسجد له قائلاً يا سيد إن أردت تقدر أن تطهرني". كما سجد له الأعمى قائلاً: "أؤمن يا سيد وسجد له".

3- وسجد له التلاميذ بعد صعوده إلى السماء وظهوره لهم. كما ورد ذلك (في الإنجيل بحسب متى 28: 17) "ولما رأوه سجدوا له".

4- سجدت له النساء كما جاء في (الإنجيل بحسب متى 15: 25) "فأتت امرأة وسجدت له قائلة يا سيد أَعِنِّي".

5- سجد له الشيطان والأرواح الشريرة كما حدث ذلك في (الإنجيل بحسب مرقس 5: 1-7): "… إنسان به روح نجس. فلما رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له".

6- ستجثو له كل ركبة في السماء وعلى الأرض كما يصرح بهذا الرسول بولس في رسالته إلى أهل فيليبي (2: 9) "لذلك رفعه الله و أعطاه اسماً فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل إنسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب".

الخلاصة: نستنتج من هذه البراهين والأدلة الكتابية الصادقة أن المسيح كان يُسجَد له كالإله العظيم. وبما أن السجود وأسرار العبادة هي كلها لله وحده، لذا فإننا نؤمن جازمين واثقين بأن المسيح المسجود له هو ذات الله نفسه في صورة إنسان.

ثامناً:

البرهان الثامن بأن المسيح هو ذات الله، لأنه الوحيد الجبار الذي غلب الشيطان وانتصر على الموت، وذلك واضح في العهد الجديد عندما انتهر المسيح ذلك الشيطان الذي جرّبه، وحينما صعد المسيح من بين القبور منتصراً على شوكة الموت غالباً ظافراً.

وإليك ما ورد في الكتاب المقدس عن انتصاره الرائع العجيب:

1- شهادة المسيح للشيطان المجرب له. كما جاء في الإنجيل بحسب متى (4: 1-11) "قال له يسوع مكتوب أيضاً لا تجرّب إلهك... ومكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد".

2- شهادة الشيطان نفسه وذلك حسبما جاء في الإنجيل بحسب يوحنا (16: 33) "نعلم من أنت … أنت ابن الله الحي أتيت لتهلكنا، ثم تركه إبليس".

3- قول يسوع لتلاميذه متحدياً الشر في العالم وذلك في (سفر الرؤيا 20: 10) "وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذاب وسيعذبون نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين".

4- الوعد للمؤمنين بالمسيح، كما قال الرسول يوحنا في رسالته الأولى 5: 5 "من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله".

والخلاصة: بما أن المسيح هو الذي غلب الشيطان، ولا يقدر أن يقهره ويغلبه إلا سلطان الله وحده، لذا فإن المسيح هو الله نفسه في هيئة إنسان.

تاسعاً:

البرهان التاسع بأن المسيح هو ذات الله، لأنه جاء من السماء بروح الله وصعد عائداً إلى السماء بجسد إنسان. كما ورد ذلك في شهادة المسيح عن نفسه في (الإنجيل حسب يوحنا 3: 13) "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان (أحد ألقاب المسيح) الذي هو في السماء". ثم قال في مكان آخر من الإنجيل حسب يوحنا 7: 33 "أنا معكم زمانا يسيرا بعد، ثم أمضي إلى الذي أرسلني". وقال أيضاً "حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً" (يوحنا 14: 1-4) وفي يوحنا 16: 5 "أنا ماض إلى الذي أرسلني وليس أحد منكم يسألني أين تمضي؟" وفي يوحنا 16: 7 "لكني أقول لكم أنه خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي (الروح القدس)".

ونذكر هنا شهادة الناس الآخرين عنه كما وردت في أعمال الرسل 1: 9-11 "ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون، وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق إذا رجلان وقفا بهم بلباس أبيض وقالا: …. إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء".

وفي الحقيقة نقول أن من يتأمل ملياً ويطالع بدقة قصة صعود المسيح إلى السماء بعد قيامته من بين الأموات، ثم ظهوره عدة مرات لتلاميذه ونزوله عليهم فجأة، يشعر بالدهشة والاستغراب لهذه الأحداث الخارقة العجيبة، لأنها ليست من صنع إنسان بشري، بل هي من إبداع الله الخالق وعظمته وقدرته ودقة أسراره السماوية. وهنا تكمن ألوهية السيد المسيح الذي نزل من السماء وكانت الملائكة تخدمه كإله عظيم. كما كانت الشياطين ترهبه وتخشاه. وهو نفسه الذي صعد من الأرض إلى السماء، وهو ذاته الذي سيعود في اليوم الأخير ليدين الأحياء والأموات.

فمن هذا إذا؟ إنه المسيح الذي تحدث عنه الرسول بولس في رسالته الأولى لتلميذه تيموثاوس 3: 16 "الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كُرز به بين الأمم، أومن به في العالم، رفع في المجد". إنه حتما الله نفسه. الله هو المسيح، والمسيح هو الله.

ضرورة الايمان بعمل المسيح من اجل خلاصى

ضرورة الإيمان

مع أن الله قد تمم العمل الخلاصي بجملته وقدمه لنا هبة مجانية، لكننا لا يمكن أن نحصل على خلاص الله إلا إذا تبنا عن خطايانا وقبلنا المسيح بالإيمان مخلصاً شخصياً لحياتنا:"توبوا وارجعوا عن كل معاصيكم.. وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه"(حزقيال 30:18 ويوحنا 12:1). هنا نجد أن دعوة الله للتوبة والخلاص مبنية على المحبة والحنان والرحمة ومجردة كلياً من التخويف والإرهاب والرعب والإكراه. فمحبة الله تحترم الإنسان وتعطيه الفرصة لكي يقرر مصيره الأبدي. لذلك يقول لك الله الآن:"أُشهد عليكم اليوم السماء والأرض، قد جعلت قدامك الحياة والموت البركة واللعنة، فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك، إذ تحب الرب إلهك وتسمع لصوته وتلتصق به لأنه هو حياتك"(تثنية 19:30و20). ويشدد الكتاب المقدس على هذه النقطة إذ يقدم لك محور الإيمان المطلوب منك، يقول:"آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص"(أعمال 31:16). وبدون هذا الإيمان بالمسيح لا يُمكن إرضاء الله ولا يمكن الحصول على خلاص الله والنعيم الأبدي. إذاً الجواب على أهم سؤال يواجهه الإنسان بخصوص المكان الذي سيصرف فيه أبديته، يتعلق بجملته على إيمان الفرد بالرب يسوع المسيح وعمله الكفاري على الصليب لغفران الخطايا. والكتاب المقدس يقول:"لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت. لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص"(رومية 9:10-13). إذاً، كإنسان خاطيء تبتغي غفران خطاياك والحصول على الحياة الأبدية والتأكيد من المكان الذي ستصرف فيه أبديتك، عليك أن تصلي صلاة الإيمان الأقدس:

"أشكرك ربي يسوع لأنك مُتَّ من أجلي على الصليب وقمتَ من الأموات من أجل تبريري. أرجوك، اغفر خطاياي، امحُ آثامي، اجعلني من أولادك، اكتب اسمي في سفر الحياة، أعطني الحياة الأبدية. أشكرك لأنك سمعت صلاة قلبي هذه لأنني باسمك أطلب هذا. آمين."

كلمة لا بدّ منها؟

كيف يمكن لإنسان مذنب أن يكون له أي أمل بعدالة القانون إن وقف أمام قاض هو نفسه الخصم؟ يثبت الكتاب المقدس حقيقة مجيء المسيح كديان العالم، قال:"الرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته"(2تيموثاوس 1:4). وقد سند الإسلام هذه الحقيقة في الحديث الشريف، مسجلاً قول نبي الإسلام، محمد، عندما صرح قائلاً:"لا تقوم الساعة حتى ينـزل ابن مريم حكما مقسطاً". فالكتاب المقدس واضح بخصوص ديان البشر. فالرب يسوع"مزمع ان يدين المسكونة بالعدل... لأن الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن"(أعمال 21:17 ويوحنا 22:5). إذاً، نرى هنا حقيقة لا تقبل الاستجواب أو الجدل وهي أنه "وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة"(عبرانيين 27:9)، وأن الرب يسوع المسيح سيأتي دياناً عادلاً للأحياء والأموات. هنا علينا أن نسأل: ما هو الحساب الذي سيعطيه الإنسان أمام الديان؟ هل سيأتي الديان حاملاً ميزاناً كي يزن أعمال الناس الحسنة والسيئة؟ طبعاً لا. وجواباً على ذلك السؤال، يقول الكتاب المقدس:"من يؤمن بابن الله له حياة أبدية ومن لم يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد"(يوحنا 18:3). لذلك أخطر تهمة سيواجهها الإنسان أمام ذلك الديان هي ماهية تجاوبك مع عمل المسيح الكفاري على الصليب من أجلك. ماذا سيكون جوابك على سؤاله: "هل قبلتَ العمل الكفاري الذي أكملتُه أنا على الصليب من أجل غفران خطاياك؟" وما هو معنى جوابك إن كان جوابا سلبيا؟

يردّ علينا الكتاب المقدس قائلاً:"فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة، الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد... إن كنا نقبل شهادة الناس فشهادة الله أعظم لان هذه هي شهادة الله التي قد شهد بها عن ابنه. من يؤمن بابن الله فعنده الشهادة في نفسه. من لا يصدق الله فقد جعله كاذباً لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه. وهذه هي الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة"(1يوحنا 7:5-12).

إذاً، القضية العظمى أمام الحكم المقسط والقاضي العادل تقتصر على حقيقة قبولك أو رفضك لشهادة الله بخصوص ابنه وعمله الكفاري على الصليب لخلاص بني البشر. فإن رفضت تلك الشهادة تكون قد كَذَّبتَ شهادة الله بخصوص ابنه، لذلك ستجد نفسك بلا عذر بين يدي قاض غاضب فتحصد الغضب الذي ذخرته لنفسك في يوم الغضب الذي فيه يصدر حكم دينونة الله العادلة على كل من صمم أن لا يؤمن بكلمة الله وأن لا يقبل شهادته. ولكن صلاة قلبي من أجلك هي أن تكون قد قبلت عمل المسيح الكفاري على الصليب لغفران خطاياك واتخذت الرب يسوع المسيح مخلصاً شخصياً لحياتك، فتكون من بين المؤمنين المخلصين الذين سيرثون الحياة الأبدية والنعيم السماوي. وليباركك الرب بكل بركة روحية في السماويات. آمين.

أهمّيّة قيامة المسيح

أهمّيّة قيامة المسيح

أنّ كلّ ما صرّح به المسيح، وكلّ نجاح أحرزه، مبني على قيامته من الموت. فإن كان قد قام، فإنجيله صادق، وإلاّ فهو باطل. وإن كان المسيح قد قام فهو ابن الله، ظهر في الجسد مخلِّص الناس. وهو المسيّا الذي أنبأت به الأنبياء. وهو نبيّ شعبه وملكهم وكاهنهم العظيم، الذي قد قُبِلَت ذبيحته إيفاء للعدل الإلهيّ. ودمه قد سُفِك، فدية عن كثيرين. وبُنيت رسالة الروح على قيامته، التي بدونها يكون عمله باطلاً.

أنّ قيامة المسيح ضمانة وتحقيق لقيامة المؤمنين به، الذي مات عنهم بإعتبار كونه مخلِّصاً ونائباً لهم. فكما أنّه حيّ، سيحيون هم أيضاً (الإنجيل بحسب يوحنّا 14:19). ولو بقي المسيح تحت سلطان الموت ما بقي مصدراً للحياة الروحيّة في البشر. لأنّه كما قال، هو الكرمة والمؤمنون به هم الأغصان. فأِن كانت الكرمة ميّتة كانت الأغصان بالضرورة ميّتة.

لو لم يكن المسيح قد قام، لخاب كلّ تدبير الله بالفداء، ولثبت أنّ كلّ ما سبق من النبوّات والآمال بشأن نتائج الفداء المجيدة في الدنيا وفي الآخرة إنّما هو أوهام. ولكن شكراً لله لأنّ الأمر كما قال الرسول:»وَلكِنِ الْآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الْأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ« (كورنثوس الأولى 15:20). ولذلك يكون الكتاب صحيحاً من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا. ويكون قد ثبت نصرة الحقّ على الباطل، والحياة على الموت، والخير على الشرّ، والسعادة على الشقاوة إلى الأبد.

تعليم الأسفار المقدَّسة في ماهيّة الجسد الذي قام به المسيح:

أنّ الجسد الذي قام به المسيح، هو نفس الجسد الذي مات على الصليب. ومن الأدلّة التي لا تدحض على ذلك:

(أ) آثار المسامير التي نفذت في يديه وقدميه، والحربة التي طُعِن بها في جنبه.

(ب) حين جذع التلاميذ وخافوا، وظنّوا أنّهم نظروا روحاً، آمنهم الربّ المُقام، وسكّن خواطرهم، قائلاً، ما بالكم مضطربين، ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم؟ انظروا يديّ ورجليّ، إنّي أنا هو! جسّوني وانظروا، فإنّ الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي.

(ج) وبينما هم غير مصدّقين من الفرح ومتعجّبون، قال لهم: أَعندكم ههنا طعام؟ فناولوه جزءاً من سمك مشويّ، وشيئاً من شهد عسل. فأخذ وأكل قدّامهم (الإنجيل بحسب لوقا 24:37-43).

أنّ ذلك الجسد بقي على هذه الحال مدّة الأربعين يوماً بعد قيامته، ثمّ انتقل إلى الحال المجيدة، التي ستكون عليها أجساد المفديّين يوم القيامة (فيلبّي 3:21). بيد أنّ الصورة البشريّة لم تفارقه وقد رآه استفانوس في ساعة استشهاده (أعمال 7:55)، ورآه بولس فيما هو في الطريق إلى دمشق (أعمال 9:1-7).

الخلاص بالمسيح يسوع فقط

الخلاص بالمسيح يسوع فقط

ناشـــد حنـــــا

خطيئة الإنسان والقصاص

العلاج الإلهي في (تك 3)

الفداء بالمسيح يسوع حتماً

محبة الله الفائقة المعرفة

المسـيح مخلـص وليس شهيداً

كفـــارة المـســـيح

- خطيئـة الإنسـان والقصـاص

لقد خلق الله الإنسان في حالة البرارة والطهارة كما هو مكتوب "أَنَّ اللَّهَ صَنَعَ الإنسان مُسْتَقِيماً" (جامعة 7: 29). ولكنه عصي الله وتعدى الوصية الوحيدة التي أعطاها له، فوقع تحت طائلة القصاص الذي أصدره الله وأنذره به مقدماً قائلاً "يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا (أي من شجرة معرفة الخير والشر) مَوْتاً تَمُوتُ" (تكوين 2: 17). وهذا الموت ثلاثي: موت روحي، وموت جسدي، وموت أبدي. الموت الروحي هو الانفصال عن الله، وهذا ما حدث بمجرد السقوط في الخطية، إذ شعر آدم وحواء بعدم توافقهما مع محضر الله، فاختبأا "في وسط شجر الجنة" قبل أن يطردهما الله منها. وهذا الموت الأبدي سرى في كيانهما مفسداً طبيعتهما، وتوارثه نسلهما كما هو مكتوب "بِإنسان وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إلى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إلى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رومية 5: 12). وقد شهد بذلك داود النبي إذ قال: "هَئَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي" (مزمور 51: 5). وشهد بذلك بعض العلماء فقال أرسطو "إن أكثر أعمال الإنسان محكومة بالعواطف والشهوات. لذلك فانه يقع في الخطأ مهما علم العقل بضرره. فالإنسان يفكر جيداً ويرشده فكره إلى الصواب، لكن تتغلب عليه شهوته فتغويه". وقال آخر "إن الأطفال يأتون إلى العالم وفي طبيعتهم العناد والشر والأنانية".

وكلنا نعرف الحقيقة المتداولة "النفس أمارة بالسوء" مع أن الله لم يخلقها هكذا ولكنها فسدت بالسقوط وهذا أمر طبيعي فالحية لا تلد إلا حية، والخنـزيرة لا يمكن أن تلد حملاً، وكذلك لا يجنون من الشوك عنباً ولا من الحسك تيناً، ولا تقدر شجرة رديئة أن تصنع أثمارا جيدة: (متى 7: 16- 18).

فالناس خطاة لسببين:

أولاً: لأنهم مولودون بطبيعة فاسدة.

ثانياً: لأنهم يخطئون بإرادتهم نتيجة لتلبية رغبات طبيعتهم الفاسدة. كما يقول الرسول "الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً (أي أنتنوا ولم يعد لهم نفع). لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ" (رومية 3: 12).

هذا هو الموت الروحي. أما الموت الجسدي فحكم به الله على الإنسان بقوله لآدم "حَتَّى تَعُودَ إلى الأرض الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ وَإلى تُرَابٍ تَعُودُ" (تكوين 3: 19). ولكن العودة إلى التراب ليست هي النهاية لأن نفس الإنسان خالدة تبقى إلى الأبد، لذلك يقول الرسول بولس "وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّيْنُونَةُ" (عبرانيين 9: 27). وبعد الدينونة (المحاكمة) أمام العرش العظيم الأبيض يُطرح جميع الأشرار في النار الأبدية ويقول الكتاب "هَذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي" (رؤيا 20: 14)، أي بعد الموت الجسدي الأول. وعذاب النار الأبدية حقيقة تقر بها جميع الأديان.

وخلاصة القول هي أن السقوط جلب على البشر:

1. الموت الروحي أي الانفصال عن الله ويتبع هذا فساد الطبيعة البشرية التي صارت مستودعاً لكل بذور الشر والعداوة والقتل والأنانية والشهوات بدرجة تجعل الناس أنفسهم ينفرون من هذه الشرور في الآخرين، فكم بالحري هي كريهة في نظر الله!

2. الموت الجسدي أي انفصال الروح عن الجسد الذي يعود إلى التراب الذي أخذ منه.

3. العذاب الأبدي الذي هو قضاء الله على جميع الخطاة.

وبناء عليه فلا يمكن أن يقترب الإنسان إلى الله أو تكون له معه علاقة حاضراً وأبدياً إلا إذا تم إيفاء مطاليب عدل الله، وإنقاذ الإنسان من عواقب السقوط الوبيلة السابق الإشارة إليها حتى يمكن أن تزول عنه صفة الذنب ويتبرر أمام الله. ولابد أيضاً من إعطاء الإنسان طبيعة جديدة بها يتوافق مع الله ويصلح لمساكنته. ومعالجة حالة الإنسان من كل الوجوه بالكيفية التي ذكرناها مستحيلة على الإنسان تماماً بالرغم من كل محاولاته المستمرة.

العلاج الإلهي للإنسان الساقط في ( تكوين 3)

مما يسترعي النظر أن الفصل الذي يخبرنا عن سقوط الإنسان في أول صفحات الكتاب المقدس (في تكوين 3) يرينا بوضوح:

1. نتائج السقوط الوبيلة التي أشرنا إليها.

2. فشل جهود الإنسان لمعالجة حاله وعودته للاقتراب إلى الله.

3. العلاج الإلهي الكامل الذي يكفل التبرير والقبول والخلاص من العقاب الأبدي، وكأن الله قد أودع كل بذور مقاصده الصالحة نحو الإنسان في الصفحات الأولى من كتابه المقدس.

ونبين باختصار كيف نجد هذه النقاط الهامة الثلاث في إصحاحي 3، 4 من سفر التكوين:

1. نجد فساد طبيعة الإنسان في التشكك في محبة الله وفي صدق أقواله، حيث أوهمه الشيطان أن الله منع عنه خيراً بنهيه إياه عن الأكل من الشجرة وبأن الله غير صادق في تهديده إياه بالموت. هذا فضلاً عن استهانة الإنسان بسلطان خالقه، وإهانته بالتعدي على وصيته. وزاد الطين بلة بإلقاء تبعة سقوطـه علــى الله قائلا "الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ" (تكوين 3: 12). وقد ظهرت علامات هذا الفساد في وجود الإنسان في حالة العري والخزي، وفي اختبائه من محضر الله.

2. على أن الإنسان لم يستسلم لله ليعالج حاله التعيس بل حاول أن يعالج أمره بنفسه (عندما نقول الإنسان نقصد آدم وحواء معاً) "فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر" (تكوين 3: 7) وكل ما استطاعت هذه المآزر أن تفعله هو أن تغطي عري الواحد منهما عن الآخر، وليس عن الله لأن آدم وهو متزر بالمآزر يقول لله "لأني عريان". وأوراق التين تمثل كل الوسائل البشرية في كل العصور لمحاولة إصلاح طبيعة الإنسان وتهذيبها، وكل وسائل الصقل وتحسين الأخلاق والمظهر، فإن هذه كلها إنما تخفي مخازي الإنسان الداخلية عن إخوانه، ولكنها لا يمكن أبداً أن تخفيها عن نظر الله أو أن تصلح طبيعة الإنسان بأي درجة من الإصلاح، كما هو مكتوب "اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ" (يوحنا 3: 6) وأيضاً "لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ...هُوَ عَدَاوَةٌ لِلَّهِ إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعاً لِنَامُوسِ اللهِ لأَنَّهُ أيضاً لاَ يَسْتَطِيعُ. 8فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ (رومية 8: 6-8). ونرى صورة لذلك في إشعياء النبي، إذ لم يستطع أن يكتشف حقيقة حاله إلا في نور مجد الرب فصرخ قائـلاً: "وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ لأَنِّي إنسان نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْـنِ" (إشعياء 6: 5). ثم نجد في تكوين 4 أن قايين أول ابن لآدم حاول أن يقترب إلى الله بأعماله، بمجهوده وتعب يديه فرفضه الله ولم ينظر إليه. هذا هو الطريق الذي اختطه قايين لنفسه متجاهلاً فساد طبيعته وقضاء الله عليه بالموت كخاطيء. وهو نفس الطريق الذي يسير فيه كل من يظن أن أعماله الصالحة يمكن أن تؤهله للاقتراب من الله بينما يقول الكتاب صراحة "وَيْلٌ لَهُمْ لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ"(*) (يهوذا 11).

3. أما العلاج الإلهي فيتمثل أولا وقبل كل شيء في الوعد الإلهي بنسل المرأة الذي يسحق رأس الحية، ثم في أقمصة الجلد التي صنعها "الرَّبُّ الإِلَهُ لِآدَمَ وَامْرَأَتِهِ ...... وَأَلْبَسَهُمَا" (تكوين 3: 21). أما نسل المرأة فهو المسيح، المخلص الوحيد الذي "جاء مولوداً من امرأة" من عذراء لم يمسها رجل إذ حبل به فيها من الروح القدس (متى 1: 20) أما سحقه رأس الحية فكان بالموت على الصليب المشار إليه بالقول "أنت تسحقين عقبه" (أي طبيعته الإنسانية)، وفي ذلك مكتوب أيضاً أن المسيح اشترك في اللحم والدم "لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ" (عبرانيين 2: 14). وهنا نجد ثـلاث حقائق في غاية الأهميـة (هي خلاصة موضوعنا هذا ):

1. لاهوت المسيح، لأنه من ذا الذي يسحق رأس الشيطان إلا الله.

2. ناسوت المسيح الذي به صار نسل المرأة.

3. موت المسيح الكفاري الذي بواسطته انتصر على الشيطان وسحقه.

أما أقمصة الجلد ففيها إشارة واضحة إلى الفداء والكفارة. وسنتكلم عن ذلك بالتفصيل لأنه السر في موت المسيح مصلوباً الذي هو موضوع هذا الفصل. ولكن قبل ذلك أشير إلى نقطتين في الإصحاح الثالث من سفر التكوين: النقطة الأولى أن آدم بعد أن سمع الوعد بنسل المرأة آمن، ولذلك كساه الله بقميص الجلد بعد إيمانه. وهذا هو طريق الله للتبرير دائماً: السمع، والإيمان، ولبس المسيح كثوب البر، ويتمثل هذا في القول "مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإيمان بِدَمِهِ" (رومية 3: 24). أما دليل الإيمان في آدم فهو أنه بعد أن سمع الوعد بنسل المرأة دعا اسم امرأته حواء (أي حياة) لأنها أم كل حي، مع أنه سمع قبل ذلك مباشرة أنه سيموت ويعود إلى الأرض التي أخذ منها، ولكنه بالإيمان بوعد الله عن نسل المرأة ارتفع فوق دائرة الموت ودعا اسم امرأته "حياة"وبعد ذلك نقرأ مباشرة "صنع الرَّبُّ الإِلَهُ لِآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا". فجاء التبرير نتيجة للإيمان.

أما النقطة الثانية فنجدها في آخر هذا الإصحاح الثالث من التكوين وهي أن الله "َأَقامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ" (تكوين 3: 24).

وفي هذا نجد الإشارة إلى أن الوصول إلى "شجرة الحياة" أو بالحري نوال الحياة الأبدية يحول دونه "الكروبيم ولهيب السيف المتقلب". ولم يستطع أحد أن يفتح لنا هذا الطريق ويوصلنا إلى الحياة الأبدية إلا المسيح الذي تنبأ عنه زكريا قبل مجيئه بالجسد بخمسمائة سنة قائلاً: "اِسْتَيْقِظْ يَا سَيْفُ عَلَى رَاعِيَّ وَعَلَى رَجُلِ رِفْقَتِي يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. اضْرِبِ الرَّاعِيَ" (زكريا 13: 7). أما الكروبيم فكانت مصورة على حجاب الهيكل. ولما مات المسيح على الصليب نقرأ "فَصَرَخَ يَسُوعُ أيضاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. وَإِذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إلى اثْنَيْنِ مِنْ فَوْقُ إلى أَسْفَلُ" (متى 27: 50- 51) أي أن الكروبيم الحارسين لطريق شجرة الحياة قد أفسحوا الطريق للوصول إلى حضرة الله، إلى الحياة الأبدية على أساس الإيمان بموت المسيح الذي فيه احتمل ضربة سيف العدل الإلهي عوضاً عنا.

حتمية الفداء بموت المسيح

رأينا فيما سلف أنه لا يمكن للإنسان تمجيد الله ومحو الإهانة التي لحقته بسبب العصيان، كما لا يمكنه تخليص نفسه من عواقب سقوطه، والحصول على التبرير والقبول لديه تعالى. ومن ثم لزم موت المسيح لفدائه ولتحقيق هذه الأغراض وهنا يأتي السؤال: ألم تكن هناك وسيلة أخرى؟ الجواب كلا. وهنا يأتي سؤال آخر: كيف يسوغ لنا أن نحصر قدرة الله غير المحدودة في وسيلة واحدة لا بديل لها؟ الجواب: إن الله يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أي أمر، ولكن ذلك في مجال كماله المطلق وتوافق جميع صفاته معاً. فلا يقدر الله أن ينكر نفسه (2تيموثاوس 2: 13). ولا يمكن أن ينكث عهـده "وَلاَ أُغَيِّرُ مَا خَرَجَ مِنْ شَفَتَيَّ" (مزمور 89: 34، عبرانيين 6: 18). وبما أن الله عادل وقدوس فلا يتفق مع عدله وقداسته أن يتساهل مع الخطية أو يدعها تمر بدون توقيع القصاص الذي صدر منه تعالى "لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ" (رومية 6: 23). صحيح أن الله غفور رحيم، ونحن نعتز برحمته ومحبته اللتين لا حد لهما. ولكن الرحمة لا يمكن أن تتجه إلا متوافقة مع القداسة والعدل. فالذين يريحون ضمائرهم بترك أمر خطاياهم إلى رحمة الله هم واهمون إن لم يستندوا على الأساس الصحيح للرحمة وهو الفداء بواسطة بديل كفء يتحمل كل متطلبات العدل، وحينئذ يتسع المجال أمــام رحمة الله لتتجه للبشر الخطاة لقبولهم وتبريرهم عدلاً حيث يكون الله "باراً (عادلاً) ويبرر من هو من الإيمان بيسوع" (رومية 3: 26). ولا يوجد بديل كفء إلا المسيح وحده كما سنرى. والصليب هو الحل الوحيد الذي فيه تمت النبوة "الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا" (مزمور 85: 10).

ومبدأ الفداء يملأ الكتاب المقدس من أوله إلى آخره، فقد رأيناه لأول مرة في تكوين 3 ثم في تكوين 4 كما سبقت الإشارة. وكان تقديم الذبائح هو طريق العبادة المقبولة لدى الله كما نرى في نوح حيث نقرأ أنه "أَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى الْمَذْبَحِ فَتَنَسَّمَ الرَّبُّ رَائِحَةَ الرِّضَا" (تكوين 8: 21). وكان إبراهيم يقيم المذبح ملازماً لخيمته. كما نقرأ عن أيوب الذي كان معاصراً لإبراهيم أنه كان يقدم ذبائح بعدد بنيه لفدائهم من القصاص على ما قد يكون صدر منهم من خطايا ولو بالفكر. وقال الله "أَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى الْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ لأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ النَّفْسِ" (لاويين17: 10) ولذلك قال الرسول بولس "بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ" (عبرانيين 9: 22).

وتقديم الذبائح يفيد الاعتراف بالخطايا وباستحقاق الموت. وقد رسم الله لشعبه قديماً في سفر اللاويين أربعة أنواع رئيسية من الذبائح هي: المحرقة، وذبيحة الخطية، وذبيحة الإثم، وذبيحة السلامة. ومن الذبائح ما كانوا يضعون أياديهم على رؤوسها ويقرون بخطاياهم رمزاً لانتقال هذه الخطايا إلى الذبيحة قبل ذبحها. أما المحرقة فكانوا يضعون أيديهم على رأسها رمزا لانتقال براءتها إلى مقدم الذبيحة.

ولم تكن تلك الذبائح إلا رمزا لتقديم المسيح نفسه ذبيحة لله بحسب رسم المشورات الأزلية. ولذلك لما رأى يوحنا المعمدان المسيح مقبلاً إليه قال "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (يوحنا 1: 29). أما الذبائح في ذاتها فلم تكن ترفع خطايا "لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا. لِذَلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إلى الْعَالَمِ يَقُول ُ(المسيح): ذَبِيحَةً وَقُرْبَاناً لَمْ تُرِدْ، وَلَكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَداً... هَئَنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي، لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ... يَنْزِعُ الأول (أي الذبائح الحيوانية) لِكَيْ يُثَبِّتَ الثَّانِيَ (أي ذبيحة المسيح). فَبِهَذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً" (عبرانيين 10: 4-10). ولذلك قال داود "لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى" (مزمور 51: 6). وقال ميخا "بِمَ أَتَقَدَّمُ إلى الرَّبِّ... هَلْ أَتَقَدَّمُ بِمُحْرَقَاتٍ...هَلْ يُسَرُّ الرَّبُّ بِأُلُوفِ الْكِبَاشِ... هَلْ أُعْطِي بِكْرِي عَنْ مَعْصِيَتِي ثَمَرَةَ جَسَدِي عَنْ خَطِيَّةِ نَفْسِي؟" (ميخا 6: 6، 7).

المسيح هو وحده الفادي

1. لابد أن يكون الفادي إنساناً، ولذلك دعي المسيح "ابن الإنسان" و"الإنسان الثاني" و"آدم الأخير" لكي يستطيع أن يموت عن البشر ليفديهم.

2. يجب أن يكون هذا الإنسان باراً وكاملاً لأن الخاطىء لا يمكن أن يفدي الخاطىء لذلك مكتوب "الأَخُ لَنْ يَفْدِيَ الإنسان فِدَاءً وَلاَ يُعْطِيَ اللهَ كَفَّارَةً عَنْهُ. وَكَرِيمَةٌ هِيَ فِدْيَةُ نُفُوسِهِمْ فَغَلِقَتْ إلى الدَّهْرِ" (مزمور 49: 7، 8). والمسيح له المجد مكتوب عنه أنه "لم يفعل خطية" و"لم يعرف خطية" و"ليس فيه خطية". وقد شهد ببره جميع أعدائه، حتى مسلمه يهوذا، والذي حكم عليه بيلاطس.

3. أن تكون قيمته أعظم من قيمة كل البشر معاً لأنه لا يفدي إنساناً واحداً بل ملايين المؤمنين في كل الأجيال. ولا يتوفر هذا الشرط إلا في المسيح الذي هو الله "الذي ظهر في الجسد".

4. أن يكون ملكاً لنفسه أي غير مخلوق، لأن كل مخلوق هو ملك لله خالقه ولا يمكن أن يقدم لله ما لا يملكه. ولا يتوفر هذا الشرط إلا في المسيح له المجد الذي هو الخالق. وقد قــال "لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أيضاً" (يوحنا 10: 18).

5. أن يكون قادراً وراغباً في تحمل قصاص خطايا كل البشر الذين ينوب عنهم. كما أنه يكون قادراً أن يعطي لمن يفديهم حياة روحية وطبيعة أدبية تتوافق مع الله.

وبناء عليه لا يمكن أن يكون الفادي إلا المسيح وحده الذي هو الله وإنسان معاً.(**)

محبة الله الفائقة المعرفة

يقول قائل: ما الذي يلزم الله بسلوك هذا الطريق الشاق الفائق العقل لفداء بشر خطاة كان يمكن أن يبيدهم ويخلق أفضل منهم؟! إني فعلاً أعذر مقدم هذا السؤال لأنه من ذا الذي يستطيع أن يعرف محبة الله أو يصل إلى بعض أغوارها! والرسول بولس نفسه يقول أنها "فائقة المعرفة" (أفسس 3: 19) ويقول يوحنا الرسول "الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ،....وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. بِهَذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إلى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. فِي هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا" (1يوحنا 4: 7-10). وقال أيضاً "هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأبديةُ" (يوحنا 3: 16). وقال الرسول بولس "اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا" (رومية 5: 8). إني لا أرى في سؤال السائل اعتراضاً، بل تعجباً، وحق له أن يتعجب لأن الله عجيب في كل شيء لاسيما في المحبة التي هي طبيعته.

هذه المحبة هي التي خططت مشروع الفداء العظيم ونفذته. لماذا؟ "حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ.... حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ.... حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ" (افسس 1: 5-9). وقد قال الرب يسـوع "وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأرض (أي بالصليب) أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ" (يوحنا 12: 32). ليت قلوبنا تتعمق في محبة الله وتجتذب إليه، وتحصر في محبته فنقول مع الرسول "نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أولاً" (1يوحنا 4: 19).

المسيح مخلص وليس شهيداً

لم يكن ممكناً أن يموت المسيح كشهيد لأن "بالخطية الموت"، والمسيح كان خالياً من الخطية "ليس فيه خطية"، فلم يكن للموت سلطان عليه، كما قال بفمه الكريم "ليس أحد يأخذها (أي حياتي) مني بل أضعها أنا من ذاتي". ولذلك قصد اليهود مراراً أن يقتلوه ولكن لم يجسر أحد أن يمسكه بل كان يمر في وسطهم ويمضي "لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ". وحتى في الليلة الأخيرة التي فيها قبضوا عليه، عندما قال لهم "أَنَا هُوَ رَجَعُوا إلى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأرض" (يوحنا 18: 6).

وعندما حوكم أمام بيلاطس لم يدافع عن نفسه ولم يجب على أسئلته حتى تعجب الوالي جداً، وكذلك هيرودس. ولكن لما قربت الساعة المعينة "ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إلى أُورُشَلِيمَ" (لوقا 9: 51)، ولم يثن عزمه توسلات تلاميذه ومنهم بطرس الذي قال له "حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هَذَا!" (متى 16: 22). كما يقول بروح النبوة "إلى الْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ.... جَعَلْتُ وَجْهِي كَالصَّوَّانِ" (إشعياء 50: 5، 7).

وعندما أتت الساعة سلم نفسه بإرادته وأيضاً "مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ" (أعمال 2: 23)، "لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ" (عبرانيين 2: 9)(***) .

ويظهر الغرضان الساميان من تقديم المسيح نفسه للموت في آية واحدة حيث يقول الرسول بولس "كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة" (أفسس 5: 2).

وزيادة على الشواهد العديدة التي قدمناها للدلالة على موت المسيح الفدائي الكفاري نضيف الشواهد الآتية:

من العهد القديم: "ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ........ يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ.- لَصِقَ لِسَانِي بِحَنَكِي (من العطش) وَإلى تُرَابِ الْمَوْتِ تَضَعُنِي" (مزمور 22: 16، 18، 15). "الْعَارُ قَدْ كَسَرَ قَلْبِي فَمَرِضْتُ. انْتَظَرْتُ رِقَّةً فَلَمْ تَكُنْ وَمُعَزِّينَ فَلَمْ أَجِدْ..... وَفِي عَطَشِي يَسْقُونَنِي خَلاًّ" (مزمور 69: 20، 21). "وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِجُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إلى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا.... جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ... بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا... وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ" (إشعياء 53). وفي نبوة زكريا نجد الثلاثين من الفضة التي باع بها يهوذا سيده (ص 11: 12)، ونجد طعن جنب المسيح بالحربة (ص 12: 10)، ونجد أيضاً الجروح التي في يديه (ص 13: 6).

من العهد الجديد: "لأَنَّ ابْنَ الإنسان أيضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ" (مرقس 10: 45). "جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ" (يوحنا 6: 51). "لأَنَّ فِصْحَنَا أيضاً الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا" (1كورنثوس 5: 7) "الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ" (1كورنثوس 15: 3). "الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا" (أفسس 1: 7). "الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ" (1تيموثاوس 2: 6). "الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا" (تيطس 2: 14) "عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُم ْ.... بِدَمٍ كَرِيمٍ.... دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ" (1بطرس 1: 18-20). "الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ" (1بطرس 2: 24). "الْمَسِيحَ أيضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إلى اللهِ" (1بطرس 3: 18) "الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ" (رؤيا 1: 5).

كفارة المسيح

هل قُبِلَتْ كفارةُ المسيح؟ نعم بكل يقين. وأول دليل على ذلك انشقاق حجاب الهيكل في لحظة موت المسيح. والحجاب هو الذي كان يغلق الطريق إلى محضر الله.

والدليل الثاني أن الله أقام المسيح من الأموات "الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا" (رومية 4: 25).

والدليل الثالث أنه دخل إلى السماء "كَسَابِقٍ لأَجْلِنَا" (عبرانيين 6: 20) أي أنه فتح لنا الطريق للدخول إلى هناك. ولم يدخل إلى السماء فقط بل "جلس في يمين العظمة في الأعالي" حيث قال له الله إذ شبـع بكمال عمـله علـى الصليـب "اِجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ" (عبرانيين 1: 3، 13).

بركات الإيمان بالفداء

لقد أكمل المسيح عمل الفداء وصار كل شيء معداً للاقتراب إلى الله والتمتع بكل بركاته. وليس على الإنسان إلا الإيمان بكمال الفداء الذي أتمه المسيح لأجله شخصياً. وما أكثر، وما أعظم البركات التي ينالها المؤمن. الواقع أنها "كُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ" (أفسس 1: 3) ولا يسعنا الوقت لتعداد هذه البركات ولكننا نذكر منها ما يأتي:

غفران الخطايا، التبرير (كأن المؤمن لم يفعل ذنباً على الإطلاق)، الولادة الثانية (أي الحصول على طبيعة جديدة طاهرة)، عطية الروح القدس ليسكن في المؤمن، وبه يميت أعمال الطبيعة الفاسدة، وينتج ثمار الطبيعة الجديدة. كما أنه بالروح القدس يقدم الصلاة والعبادة المرضية لله "السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ" (يوحنا 4: 23).

وهكذا تأتي نفس المؤمن إلى الله ساجدة متعبدة لتتمتع بالشركة معه كالأب المحب، ولها اليقين بأنه عندما يأتي المسيح ثانية تكون معه في المجد في بيت الآب (يوحنا 14: 3)

أقوال بعض العلماء والشعراء عن المخلص

قال إدريس في تفسير ابن كثير جزء 1 صفحة 366 "الله أمات المسيح ثلاثة أيام ثم بعثه ورفعه".

وقال شوقي أمير الشعراء مخاطباً المسيح:

عيسى! سـبيلك رحمـة ومحبـة في العالمـين، عصـمة وسلام

خلطـوا صليبك والخناجر والمدى وكـل أداة للأذى وحسـام

وقال الأستاذ علي محمود الشاعر:

نسي القوم وصاياك وأضلوا وأساءوا كما باعوك يا منقذ بيع الأبرياء

عجب فديتك المثلى وفي القول عزاء ألهذا العالم الشرير ضاع الفداء؟


(*)أما الطريق الصحيح فهو الذي سلكه هابيل أخوه إذ بالإيمان قدم لله ذبيحة من أبكار غنمه ومن سمانها وفي هذا رمز لضرورة الفداء والكفارة كما سنرى.

(**) لا بد من الإشارة هنا إلى أن آلام الصليب والموت قد وقعت على طبيعة المسيح الناسوتية لأن اللاهوت منـزه عن الألم والموت كما هو مكتوب "الذي وحده له عدم الموت" (تيموثاوس الأولى 6: 16). ولكن لا تبرح عن بالنا هذه الحقيقة: إن لاهوت المسيح لم يفارق ناسوته لحظة واحدة: حتى وهو معلق على الصليب. وهذا ما يعطي لكفارة المسيح قيمتها اللانهائية غير المحدودة.

(***) من الأدلة المادية على موت المسيح بإرادته أنه أسلم روحه في يدي الآب لأنه رأى كل شيء قد كمل وذلك قبل الميعاد الطبيعي لموت المصلوبين بفترة طويلة حتى "َتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعاً" (مرقس 15: 44).